لا تسألي
ديوان في طريق الفجر > لا تسألي
وكان التساؤل والجواب زاد الرحيل: وهكذاأجاب..وهكذا سأل..
22 رجب سنة 1379هـ
لا تسألي يا أخت أين مجالي؟
أنا في التراب وفي السماء خيالي
لا تسأليني أين أغلالي سلي
صمتي وإطراقي عن الأغلال؟
أشواق روحي في السماء وإنما
قدماي في الأصفاد والأوحال
وتوهمي في كل أفقٍ سابحٌ
وأنا هنا في الصمت كالتمثال
أشكو جراحاتي إلي ظلي كما
يشكو الحزين إلى الخلي السالي
والليل من حولي يضج وينطوي
في صمته كالظالم المتعالي
يسري وفي طفراته ووقاره
كسل الشيوخ وخفة الأطفال
وتخاله ينساق وهو مقيدٌ
فتحسه في الدرب كالزلزال
وأنا هنا أصغي وأسمع من هنا
خفقات أشباحٍ من الأهوال
ورؤى كألسنة الأفاعي حوماً
ومخاوفاً كعدواة الأنذال
وأحس قدامي ضجيج مراقدٍ
وتثاؤب الآباد والآزال
وتنهداً قلقاً كأن وراءه
صخب الحياة وضجة الأجيال
والطيف يصغي للفراغ كأنه
لصٌ يصيخ إلى المكان الخالي
وكأنه “الأعشي” يناجي “ميةً”
ويلملم الذكرى من الأطلال
والشهب أغنية يرقرقها الدجى
في أفقه كالجدول السلسال
والوهم يحدو الذكريات كمدلجٍ
يحدو القوافل في بساط رمال
والرعب يهوي مثلما تهوي على
ساح القتال جماجم الأبطال
* * *
وهنا ترقبت انهياري مثلما
يترقب الهدم الجدار البالي
وسألت جرحي هل ينام ضجيجه؟
وأمر من رد الجواب سؤالي!
وأشد مما خفت منه تخوفي
وأشق من وعر الطريق كلالي!
وأخس من ضعفي غروري بالمنى
واليأس يضحك كالعجوز حيالي!
وأمض من يأسي شعوري أنني
حي الشهية، ميت الآمال
أسري كقافلة الظنون وأجتدي
شبح الظلام وأهتدي بضلالي
وأسير في الدرب الملفح بالدجى
وكأنني أجتاز ساح قتال
وأتيه والحمى تولول في دمي
وترتل الرعشات في أوصالي
* * *
لا تسأليني عن مجالي: في الثرى
جسدي وروحي في الفضاء العالي
وسألتها: ما الأرض؟ قالت إنها
فلوات أوحاشٍ وروض صلال
إن كنت محتالاً قطفت ثمارها
أولاً: فانك فرصة المحتال
وأنا هنا أشقى وأجهل شقوتي
وأبيع في سوق الفجور جمالي
* * *
والعمر مشكلة ونحن نزيدها
بالحل إشكالاً إلى إشكال
لا حر في الدنيا فذو السلطان في
دنياه عبد المجد والاشغال
والكادح المحروم عبد حنينه
فيها: ورب المال عبد المال
والفارغ المكسال عبد فراغه
والسفر عبد الحل والترحال
واللص عبدالليل والدجال في دنياه
عبد نفاقه الدجال
لا حر في الدنيا ولا حريةٌ
إن التحرر خدعة الأقوال
الناس في الدنيا عبيد حياتهم
أبداً عبيد الموت والآجال
* * *
وسألتها ما الموت: قالت: إنه
شط الخضم الهائج الصوال
وسكونه الحاني مصير مصائرٍ
وهدوؤه دعهٌ وعمق جلال
ما لي أحاذره وأخشى قوله
وأنا أجر وراءه أذيالي؟!
أنساق في عمري إليه مثلما
تنساق أيامي إلى الآصال
* * *
وسألتها: فرنت وقالت: لا تسل،
دعني عن المفضول والمفضال!
أسكت! فليس الموت سوقاً عنده
عمر بلا ثمنٍ، وعمر غالي!!