بيت.. في آخر الليل
ديوان رواغ المصابيح > بيت.. في آخر الليل
كما يدُقّ الشوقُ بابَ السؤالْ
يجول في بال الجدار احتمالْ
يلاحِظ الوقتَ غريبَ المدَى
وللسواري عن سُراها اشتغالْ
نوافذ الجيران ملفوتةٌ
وهذه الأشجار عُوج الظِّلالْ
* * *
يصيح صمتاً: كل شيءٍ لهُ
دخائلٌ مثلُ احتدام القتالْ
بين الكرى والسهد أطروحةٌ
بين الممرات الغوافي سجالْ
حتى الحطام المرتمي، ربما
يُسِرُّ فنّاً مِن جديد النضالْ
أخالُهُ يدعو أيا قامتي
قُومي، ويوُمي – يا حنيني – تعالْ
لِمَ لا يبوح الليل عن غَورِه
هل للأماسي كالصبايا دلالْ؟
* * *
للريح طعمٌ في حلوق الحصى
وللحواري بالنجوم اكتحالْ
هذي الشبابيك لها صبوةٌ
إلى وصالٍ غير ذاك الصوالْ
تلك القناديل وإن راوغَت
لها غموضٌ واضح الانفعالْ
* * *
ماذا اعتراني؟ لا أنا عامرٌ
ولستُ قفراً.. ما اسم هذا المآلْ؟
يُعبِّر الأحلام، تبدو لَهُ
ذوات أنيابٍ وأيدٍ طوالْ
لها أُنوفٌ مثلُ ريش “القطا”
وأعينٌ مثلُ مدبِّ النِّمالْ
أقدامُها مثل صدى أنَّةٍ
أكتافُها مثل جسوم البغالْ
* * *
يحسّ رأسين على جيدهِ
وحيث كان الحلق، حَلّ القَذالْ
يلفُّ زنديهِ على صدره
يُصغي كمسلول يقاوي السُّعالْ
تلوذ ساقاهُ بأضلاعه
يَهرُّ في إبطيه، وكرُ اغتيالْ
أمطار هذا الوقت ضوئيّةٌ
يا سقف هذا وابلٌ أم وبالْ؟
* * *
يا آخر اللّيلةِ.. هل هذه
بدايةٌ ثانيةٌ، أم زوالْ؟!
عليكَ وجهٌ ما رأت مثلَهُ
أمُّ الثريا، أو جدودُ الهلالْ
أذاك برقٌ يحتسي نجمةً
يا سقف – أم في مقلتيَّ اختلالْ؟
* * *
يُكذّبُ السقفُ الكُوى، يغتلي
بين الزوايا والزوايا جدالْ
تصبو الحشايا مثلَما ينبري
سيلٌ يُلَوّي ركبتَيه المسالْ
* * *
يا ركن مَن أعطى الزوايا فَماً
مَن علّم الأحجار قالت وقالْ؟
هذي الحشايا كبنات الهوى
هذي المرايا غرّهنَّ الصِّقالْ
هذي الأواني أعلنَت أنها
تريد مِن أشكالها الارتحالْ
لكل رَفٍّ نزوةٌ طفلةٌ
ولهفةٌ أصبى إلى الانتقالْ
حتى الغسيل الممتطي مَنْكِبي
يحمرُّ يُذكي شهوةً في الحبال
فوقي كركض الجنِّ، تحتي صدىً
كفرحة الأطيار بالإخضلالْ
هذا الذي – يا ركنُ – سمَّيتُهُ
بيتي أنا، أضحى له بيت خالْ
* * *
يا سقفُ هذا الغيث لمّا همَى
أقام كل البيت شِبهَ احتفالْ
تحوّلت طوباتُهُ أغصناً
تشكّلَت كلُ حصاةٍ غزالْ
هل خالَ غيثاً؟ واهمٌ إنَّهُ
نجمٌ عجوزٌ آخرَ الليل بالْ
* * *
ما لاح في ذا البيت؟ ماذا انمحى؟
لديه سرٌّ مستحيل المنالْ
مِن تحت رجليه علَت غيمةٌ
فاخضوضرت عيناه كالبرتقالْ
* * *
قل غير ما شاهدت يجري ولو
ترى بطون السهل تعلو الجبالْ
ما الوقت؟ كم أوصيتني لا أرى
ألا تشمُّ الآن ريح اشتعالْ؟
* * *
تَحلُّ أمُّ الفجر أزرارَها
كما يُحنّي البرقُ عشق التّلالْ
كما يلاقي أمه نازحٌ
أماته المذياع، تصحو (أزالْ)
ترمي الثواني جمر أجفانِها
كمن يرى قبل الأوان المُحالْ
* * *
يُقلِّبُ الدهليز أوراقَهُ
كرأسماليٍّ، بلا رأس مالْ
يقول لو أني ذرعتُ الدُّجى
لَوْ لي (صُواعٌ) كي أكيل الرمالْ
لو كُنتُ حيث السقف والسقف لو
كان أنا، كَنتُ إله الريالْ
* * *
يا رُكن لا أدري هنا مِن هنا
خلفي كقدّامي، يميني شمالْ
وأنت كيف الحال يا صاحبي؟
لم يبق عندي ما أُسمّيه حالْ
هل تلك ما يدعون حتميَّةً؟
كم كنت أخشى كل غينٍ ودالْ
* * *
ما طول هذا البيت كم عَرضَهَ؟
تربَّعَت قاعاتهُ واستطالْ
عناسةُ التأريخ في طينهِ
تزوّجت فوراً جميع الرجالْ
على نقيضَيه ارتقى كُلُّهُ
مِن عِمَّة الأعلى إلى ذي السِّفالْ
* * *
أَكُلُّ أحشاءِ الثرى أَسفرت
تريد مِن أوضارها الإغتسالْ؟
أذاك بَدءٌ ما له أوّلٌ؟
أم هذه شيخوخة الإعتدالْ؟
مِن خارج التقويم جاء الذي
ما اشمَّ ريّاهُ خيالُ الخيالْ
عام 1986م