فلان.. ابن أبيه
ديوان رواغ المصابيح > فلان.. ابن أبيه
يظل يغنّي وهو أبكى مِن البُكا
وماقيل أشكى أي عزفٍ ولااشتكى
كأن له عشرين قلباً يهزُّها
كما تمسح الريح الشروق المُمَسّكا
يحس الأسى أكسى إذا كان صامتاً
ويبدو له أعرى مِن السطح إن حكَى
يذوب غناءً يهتك السرّ كي يُرى
ويأبَى أساه أن يُطيع التهتكا
لأن دموع الناس أضحت أليفةً
يُغنِّي لغير الدمع، كي يخلعَ (الوِكَى)
* * *
يُقلِّبُ عن عيني (جهيمان) حائلاً
وعن (عروة بن الورد) ينبش (فيلكا(
وينسج مِن أطياف صِفّين (مالكاً)
ومِن سرّة “الفسطاط” يستلّ (شربكا)
يعيد الأُلى لم يعهدوا في عهودهم
عصاً دولروها أو جبيناً تفرنكا
لهذا يغنّي واجداً كل حفرةٍ
بها ثائرٌ قد صارت الآن مسبكا
* * *
إذا اصطرعت فيه النقائض قادها
لترقى وألْفَته لحالَيه أملكا
فما اختلطت فيه الكواكب والحصى
ولا اشتبهت فيه (لُوَندا) ب(لرنكا)
ولا خال يوماً كل بيضاء بيضةً
ولا ظن ليلاً كل خضراء (ليلكا)
يمد الضحَى مِن وهجه، ينظر الدُّجَى
لإِحراقه أدعَى إذا كان أحلكا
* * *
رأى مرّةً ثكلَى محا القتلُ زوجَها
فزوّجها برقاً يرَى القتل مضحكا
ويوماً رأى شيخاً يقاوي معسكراً
فحوّله تلاًّ ثنى القصف مُنهَكا
* * *
ومرّ بِحُبلَى قال: هاتيه حاملاً
لرجليه مِن رجليه مهداً ومسلكا
وقال لأخرى: أنضجي فيكِ ركضَهُ
فلا يستهلُّ الشوط إلاّ مُحنَّكا
فقالت: غدا كالديك ينقر صائحاً
ترى ملَّ نُضجاً؟ بل لأمرٍ تديَّكا
* * *
ووافى أباً كان يُلفِّق (زينباً)
ب(سلمى) وقال الحبُّ يدعوكَ مُشركا
أتحيي أبا الخطّاب مَن كان قلبُهُ
ِنوقِ الحجازيات مرعىً ومبركا
فقال: اوصني، قال: انقلبْ أنت زوجةً
ورقِّعْ ب(ساموزا) (حسيناً) ليسمُكا
* * *
وعاد يغنّي خابزاً ثلث صوتِه
طريقاً وثلثيه قصيداً مُحكَّكا
يزف إلى وجه (المُزَلْبي) تحيةً
بشوشاً ويشتُّم النضار المُشبّكا
* * *
ويستفسر السمّاك: كيف تَصيدُهُ
وتبتاع فولاً بالذي بعت (ديركا(
ترى ذلك السَّهران يُمسي على الطوى
ويحرس بستاناً وقصراً مُبنّكا
* * *
فيشتفُّ ما خلف المصابيح والكُوى
كما يقرأ الأبراج راعٍ تفيلكا
وينصبُّ في جمهور (غزّة) ينتمي
إليها، ويجتث الدخيل المُمَلَّكا
* * *
وفي غمرة العدوى تظاهر وحدَهُ
وهاج كمن يرمي ب(تيوان) (دهلكا)
فمسَّاه شرطيٌ وثان وثالثٌ
أحالوا اليقينيات فيه تشكُّكا
وقال: ضحايا يسلخون ضحيّةً
ترى أيَّنا يا سوط للسرِّ أدركا
وغاص يُغنّي في شوارع قلبه
كما يفحص الطفل الكتابَ المُفكّكا
* * *
وقال لقبرٍ: هل ترى الموت واحداً؟
أمُرْدي أخي أردى ثموداً ومزدكاً؟
أما لاح موت اليوم جيلاً معاصراً
ولكن على أشباح أسلافه اتكا
لأن أبا نفطٍ – على كل مديةٍ
وقارورةٍ في أي وكرٍ – تبرمكا
إذن لست مثوى الصمت بل بيت ثائرٍ
تنكَّر كي لا يعلموا كيف تكتكا
وقال: افتني يا قبر، قال: اتّقد هوىً
فمن لم يمت للشعب مات تأمرُكا
ومرَّ يُغنّي مخبراً كل بقعةٍ
هنا عالَمٌ مِن قعر ساقيكِ أوشكا
* * *
يحثُّ الربى: كي لا تموتي تفتُّتاً
على الرمل موتي كالسواقي تحركا
فقالت: تعلَّم أنت حسن تمسُّكي
بأرضي، وأحسن بالسلاح التمسكا
وألِّفْ كتاباً عن جبيني لترتقي
ولحِّنْ سفوحي كي تُنير التَّصعلُكا
لأن الغنى والجبن مثنىً كواحدٍ
إذا أقدرَتهُ فرصةٌ بات أسفكا
* * *
وفي السوق لاقى الشعب يحصي نقودَهُ
مراراً وكان السعر أعلى وأفتكا
فقال: ترون السوق أغلى، برغمهِ
سيرخص لوكنتم لما فيه أتركا
أجابوا: أصبت الرأي صرنا بضاعةً
فمن أي سوقٍ نشتري الصبر والذكا؟
* * *
ومرّ يغنّي يغزل الضوء والندى
ويرجو بيوتات الصفيح التَّبَرُكا
فقيل: ملاكٌ جاء مِن آخر السما
وقيل: مِن الشيطان لكن تأملكا
وقيل: له مِن جمرة البرق جبهةٌ
وصوتٌ بعنقود الثريّا تمسوكا
* * *
مِن الناس إلاّ أنه ما انثنى ولا
رأى القهقرى أنجَى ولا الوثب أهلكا
ولا قال: أنهي إنما ظلّ يبتدي
ويزكو، لأن الشعب في قلبه زكا
عام 1988م