تحقيق.. إلى الموتى والأجنة
ديوان رواغ المصابيح > تحقيق.. إلى الموتى والأجنة
يا من تُدعى القرن العشرين
الليل دمٌ واليوم طعينْ
هل فيك عسى ومتى وإلى
الوقت يحين وليس يحينْ؟
الساعة تسأل أوّلها
عن آخرها، والردّ كمينْ
للظلمة أجبنةٌ شتّى
والصبح يطلُّ بدون جبينْ
أمصابيح الأغساق تَرى
عينيّاً أم ترنو تخمينْ؟
أرأتك “السَّهْر” ملاييناً
من وزن (ابن السِّكيِّت) مِئينْ؟
والشمس أشامت كم دَفنوا
وكم الآتين إلى التدفينْ؟
***
هل أنت خَليٌّ فوق أسىً
أم أنت حزينٌ فوق حزينْ؟
ولماذا هذي الارض غدت
سجناً يجري، والكل سجين؟
ولماذا العوسج لا يفنى
ويموت النرجس والنّسرينْ؟
ولِما الأبواق هنا وهنا
كتراعف مليوني عرنينْ؟
ولما لا يمكن منشودٌ
وسوى المنشود له التّمكينْ؟
***
أصِباً ما يجري أم خرَفٌ
أبلغتَ التسع أم التسعينْ؟
أم عَدُّ التقويمات كما
يُحصي الشُهبَ الطفلُ المسكينْ؟
***
في قلبك يا هذا شيءٌ
لا يدعوه القاموس أنينْ
لا ينظره الصاحي نبضاً
لا يسمعه السكران رنينْ
شيءٌ كتذكُّر مخمورٍ
كبيانٍ ليس له تبيينْ
كعجوز في فمه شوقٌ
ويقول القافَ قُبيل الشّينْ
* * *
سنواتك حرقٌ أو غرقٌ
وإذا اعتدلت فاقت تِشرينْ
للحرب الأولى والأخرى
أطفالٌ في سِنّ التّسنينْ
مَنْ ذا تدعوه (تنّيناً)
أمسى (فاراً) ذاك (التّنينْ)
* * *
أتظن (قِيرِنَادا) (زاباً)
أخرى أم (ايرلندا) (حطّين)؟
هل تُدني(تتشر)؟ مِن (أروى)
أترى (ريجن) ك(صلاح الدينْ)؟
هل مَنْ تمتد مدينتُهُ
يدنو مِمنّ سبق التمدينْ؟
يبدو مقياسُك آليّاً
لا يدري الحُسْنَ مِن التَّحسينْ
* * *
لِمَ أنت سخيٌ شكلياً
وبما خلف الأشكال ضنينْ؟
هل بين لغاك ومعناها
سورٌ أعلى مِن (سور الصِّينْ)
* * *
الأرض اليوم لظىً ألظى
فيضان حديدٍ فوق عجينْ
أهدافٌ يسكت قاصفُها
وتجيد قنابلُه التَّلقينْ
غازٌ محظورٌ دولياً
وله الفوضى وله التَّقنينْ
لِهبٌ يستدعي (ذاقارٍ)
وحريقٌ يستعدي (صِفّينْ)
ومَنْ الأزكى هذا أو ذا؟
للقبح هنا وهنا تزيينْ
طلقات تتلو مزموراً
حجرٌ يتلو: (طه) و(التّينْ)
(طروادةُ) (صيدا) أو (أكرا)
لا الحصن يذود ولا التّحصينْ
* * *
والقتل السِّري يومياً
كتعاطي “القات” أو التدخين
روتينيّاً يمضي يأتي
وطوارئه فوق الروُّتينْ
يَسري ليلاً يغدو صبحاً
يسطو خمساً، يعدو خمسينْ
* * *
ويعود مِن (الدهنا) حيناً
أحياناً يأتي مِن (يبرينْ)
أحياناً مِن (شرق الأقصى)
أحياناً مِن (غربي برلينْ)
ويُصلّي الجمعة في (طنطا)
ويزور السبت (الأرجنتينْ)
يحسو (الويسكي) في (هولندا)
و(الزحلاوي) في (بيت الدينْ)
يتغدّى في (صبيا) نجماً
يتعشّى قمراً في (ذِيبينْ)
* * *
ريحيٌّ ليس له وطنٌ
وله في كل حِمىً توطينْ
قدماه في ساقي (رضوى)
ويداه في إبطي (صِنّينْ)
* * *
وعليه أوسمةٌ ولهُ
في كل مناسبة تثمينْ
ولحضرته في لا وقتٍ
وقتٌ للعزل وللتَّعيينْ
وله أنيابٌ يبديها
وله أنيابٌ للتخزينْ
وأنامله ستّاً ستّاً
وحلاقمهُ فوق السِّتينْ
* * *
يُردي باليمنى واليسرى
يَرمي بالجوع وبالتَّسمينْ
ويتوّج هذا أو هذا
ويسوق الشعب إليه قطينْ
ولِمَ الجاني أهنا عيشاً
ومعاش المجني مِن (غِسلينْ)؟
* * *
وزحام الشارع والمقهى
طينٌ ما فيهِ نسغ الطِّينْ
لا معنى النظرة ودِّيٌ
لافي قلب التصويت حنينْ
ومصافحة الأيدي الأيدي
كعجوز تستهوي (عنّينْ)
وعناق الراحل والآتي
سكِّينٌ لا تبدو سكِّينْ
ومؤامرة الندوات كما
يحتاج النَّعش إلى تكفينْ
ريح التبريد تُجمِّعُها
وتفرِّقُها ريح التَّسخينْ
* * *
لغةٌ كالصمت بلا صمتٍ
وعواءٌ يفسده التّلحينْ
للدال مُدىً للميم يدٌ
فبمَ يحكي ويشير (السِّينْ)؟
أيَرى لا يَسأل غامضةً
من أبطنها. ولِمَ التبطينْ؟
* * *
أشباهٌ ليس لها وجهٌ
وقرينٌ مشبوهٌ بقرينْ
حتى ما سمَّوهُ علماً…
أضحى لأمين السرِّ أمينْ
* * *
لا الهمُّ يقود مُهمّتَهُ
لا غير الهمّ بذاك قمينْ
لا الصحو يحرّكه شوقٌ
لا النّوم يسكّنهُ التّسكينْ
لا ميلادٌ يعطي فرَحاً
لا موتٌ يستبكي تأبينْ
* * *
فهنالك، قِرُّوا يا موتَى
وهناك، البثْ يا كلَّ جنينْ
ما للآتي مهدٌ يحنو
لا يلقى الهدأةَ أيُّ دفينْ
مَن مات نجا، ودهى الأنجَى
مَنْ لم يولد ضَمِن التأمينْ
هذا – يا أنتم – تحقيقٌ
وافاكم مِن سبأٍ بيقينْ
* * *
يا مَن تُدعى حبّاً فتِّش
عن أزمانٍ في لا تزمينْ
عن إنسانٍ لا ظرف لهُ
لا آتيه باليوم رهينْ
عن أرض أخرى ما خَطرت
بخيالات القرن العشرينْ
عام 1988م