يوم المفاجأة
ديوان في طريق الفجر > يوم المفاجأة
جمالٌ! أيأتي؟ أجل! ربَّما
وتستفسر الأمنيات السّما
أيأتي؟ ويرنو السؤال الكبير
يزغرد في مقلتيه الظّما
فيخبره الحلمُ إخبارَ طفلٍ
يَروضُ على اسمِ أبيه الفما
* * *
وفي أيّ حين؟ وصاح البشير
فجاءت إليه الذُّرى عُوّما
وأرخى عليه الضُّحى صَحْوَهُ
ودلّى سواعدَهُ سُلَّما
وحيّاه شعب رأى في الشروق
جنى الحلم من قبل أن يحلُما
فأيُّ مفاجأةٍ باغتتهُ
كما تفجأ الفرحةُ الأيِّما؟
فماد ربيع على ساعديهِ
وفجرٌ على مقلتيهِ ارتمى
ولبَّى الهتافُ المدوِّي هناك
هتافاً هنا، وهنا مُفْعَما
يلبي ويدعو فيطغى الضّجيج
ويعلو الصّدى يعزف الأنجما
تثير الجماهير في جوِّهِ
من الشّوقِ أجنحةً حُوَّما
وتسأل في وجههِ موعداً
خصيباً وتستعجل الموسما
وتحدو غداً فوق ظنّ الظنون
وأوسع من أمنيات الحمى
* * *
جمالٌ! فكلُّ طريق فمٌ
يُحَيِّي وأيدٍ تبث الزهَرْ
ترامت إليهِ القرى والكهوف
تولِّي جموعٌ وتأتي زمَرْ
وهزَّت إليهِ حشود الحسان
مناديل من ضحكات القمرْ
ولاقته “صنعاء” لقيا الصغّار
أباً عاد تحت لواء الظّفرْ
تلامسه ببَنان اليقين
وتغمس فيه ارتياب البصرْ
وتهمس في صخَب البشريات
أهذا هو القائد المنتظَر؟
أرى خلف بسمته “خالداً”
وألمح في وجنتيه “عُمر”
وتدنو إليه تناغي المنى
وتَشتَمُّ في ناظريه الفكرْ
* * *
أهذا الذي وسعت نفسُه
هوى قومه وهموم البشر؟
أظلَّ فأومى انتظار الحقول
وماج الحصى واشرأبَّ الحجرْ
وهنأت الرّبوةُ المنحنى
وبشَّرت النّسْمَةُ المنحدرْ
وأخبر “صِرْواحُ” عنه الجبالَ
فأورق في كل نجمٍ خبرْ
وأشرق في كلّ صخرٍ مصيفٌ
يعنقدُ في كلّ جوّ ثمرْ
* * *
وأعْلَتْ زنودُ الرُّبى وَحدةً
سماويّةَ الأمِّ طهر الأبِ
نمتها المروءات في “مأربٍ”
وأرضعها الوحي في “يثربِ”
وغنَّى على صدرها شاعرٌ
وصلَّى على منكبيها نبي
وردَّدها الشرقُ أغرودةً
فعبَّ صداها فم المغربِ
* * *
ودارت بها الشمس من موسمٍ
سخيٍّ إلى موسمٍ أطيبِ
إلى أن غزتها سيول التتار
ورنَّحها العاصف الأجنبي
تهاوت وراء ضجيج الفراغ
تفتّش عن أهلها الغُيَّبِ
وتبحث عن دارها في الطُّيوف
وتستنبئ اللَّيل عن كوكبِ
وتحلم أجفانها بالكرى
فتخفق كالطّائر المتعَبِ
هناكَ جثث في اشتياق المعاد
تحدّق كالموثق المغضبِ
فتلحظ خلف امتداد السنّين
على زرقة “النِّيل” وعداً صبي
تمرُّ عليه خيالات “مصر”
مرور الغواني على الأعزبِ
رأت فمه برعماً لا يبوح
ونيسان في قلبه مختبي
وكان انتظاراً فحنَّت إليهِ
حنين الوليد إلى المرضعهْ
ودارت نجوم وعادت نجوم
وأهدابها ترتجي مطلعهْ
وكانت تواعدها الأمسيات
كما تعد البيدر المزرعهْ
ولاقته يوماً وكان اسمه
“جمالاً” فلاقت صباها معهْ
* * *
هنا لاقت الوحدة ابناً يسير
فتمشي الدُّنا خلفه طيِّعهْ
ومهداً صبوراً سقاها النِّضال
فأهدت إلى المعتدي مصرعهْ
غذاها دم “النيل” خصب البقاء
ولقَّنها الفكرةَ المبدعهّ
وعلَّمها من عطايا حشَاه
وكفّيْهِ أن تبذل المنفعهْ
ومن جوّه رفرفات الحَمامِ
ومن رمله طفرةَ الزَّوبعهْ
وقطَّرها في خدود النجوم
صلاةً وأغنيةً ممتعهْ
وأطلع للعرب أقباسَها
شموساً بصحو المنى مشبَعهْ
هناكَ أفقنا على وحدةٍ
يمدُّ الخلودُ لها أذرعَهْ
فصارت مبادئنا في السَّلام
وألوية النَّصْر في المَعْمَعَهْ
إبريل 1964م