شاعر الكأس والرشيد
ديوان في طريق الفجر > شاعر الكأس والرشيد
لو تسامت عقولنا عن هوانا
لهدينا الهدى وقدنا الزمانا
ولسرنا وخطونا يلد الفجر
المغني… وينبت الريحانا
لو تلظت قلوبنا بسنى الحب
لما عانت العيون الدخانا
لو كبحنا غرورنا لملأنا
من عطايا الوجود وسع منانا
فعطايا الحياة أوسع من
آمال أبنائها وأسخى حنانا
لو ملكنا الهدى لما سل كفٌ
خنجراً راعفاً وأدمى سنانا
كيف يستل بعضنا روح بعضٍ
ألنحيي مآتماً واضطغانا؟
ونسمي لص الحياة شجاعاً
ونسمي عف اليدين جبانا
* * *
نحن غرس الإله يحصده الله
لماذا تعيث فيه… يدانا؟
ما لنا نسبق الحمام إلينا
وهو أمضى يداً وأحنى بنانا؟
ونخاف العدى وحين نعادي
هل درينا أنا خلقنا عدانا؟
لو نفضنا شرورنا لرأينا
أوجه الخير في الضياء عيانا
نحن نبدي عيوبنا حين نرمي
بالخطايا فلانةً أو فلانا
نحن لو لم نكن أصول الخطايا
ما رأينا ظلالها في سوانا
كم سألنا التفتيش عن جيفة الإث
م وسرنا والإثم يحدو خطانا!
وهتكنا مخابىء الإثم في الحي
وعدنا نفتش الأكفانا
* * *
لا تنم: يا “أبا نواسٍ” أما
كنت أثيماًفي لهوه… يتفانى؟
أوما كنت أظرف الناس في القصف
وأعلى الغواة فناً وشانا؟
فهتكنا عنك الستار كأن لم
يخطر الإثم بيننا عريانا
هل تخوفت غضبة السوط في الدن
يا وهل ذقت في القبور الأمانا؟
لست أدري ماذا لقيت، لماذا
غبت في الصمت لم تحرك لسانا؟
إن تمت هيكلاً فقد عشت أف
كاراً وأورقت في الشفاه بيانا
أين منك الردى؟ وأقوى من الأح
ياء ميت يسهد… الأذهانا
عشت عصراً ولم يزل كل عصرٍ
يتساقى فجورك الفنانا
تلك ألحانك الظوامي كؤوسٌ
تتغنى فتسكر الندمانا
لكأني ألقاك في لحنك الظمآن
روحاً ملحناً،… وكيانا
وذهول الإلهام يرعش عينيك
كما ترعش الصبا الأقحوانا
وأحس “الرشيد” ينزل دنياه
كما ينزل الصباح الجنانا
وتغنيه وهو ينتزف الكأس
ويسقي المدللات الحسانا
والندامى الصباح بين يديه
وكؤوسٌ تنأى وأخرى تدانى
والمليحات مهرجانٌ من الحسن
يغني من الهوى مهرجانا
وهو يلهو لهو الشجي ويمضي
في جنون الهوى يعري القيانا
فترى في الندي ألف ربيع
ينثر العطر والسنى ألوانا
وصباحاً من الحسان العرايا
مغرماً يعزف الهوى ألحانا
وخصوراً تميد بين زنودٍ
بضةٍ تنهب الخصور اللدانا
وصدوراً نهدى تضم صدوراً
واحتضاناً غضاً يلف احتضانا
والجمال العريان يطغي المحبين
ويهوى الجنون والطغيانا
* * *
ما ترى يا “أبا نواسٍ”؟ ترى
الأكواب ملأى وتحتسي الحرمانا
تتشهى مدامةً… لم تجدها
فتغني خيالها الفتانا
لو وجدت الرحيق ما ذبت شجواً
وتحرقت في المنى أشجانا
شاعر الحب حين يهجره المح
بوب يفتن في الحنين افتنانا
عشت تبكي على المدام وتذرو
في هوى الكأس دمعك الهتانا
وتنادي الهناء في كل وهمٍ
وتهني البساط والصولجانا
* * *
بدعة الذل أن تحن وتبكي
وتغني “الرشيد” و”الخيزرانا”
ملك يرضع الدنان كما يهوى
وأنت تغني الدنانا
و”الأمين” النديم يمنعك الخمر
ويحسو وتنحني ظمآنا
وهو في القصر يحتسي عرق الشعب
ويروي القيان والغلمانا
يملأ الكأس من دموع اليتامى
ويغني على نشيج الحزانى
ويرى أنه أمينٌ على الدين
وإن ضيع الرشاد وخانا
كيف يحمي دين الآله ظلومٌ
يتحدى الأله والإنسانا؟
يدعي عصمة الملائكة الطهر
ويأتي ما يخجل الشيطانا
* * *
هكذا يا “أبا نواسٍ” تلوى
حولك الشعب في الجراح وهانا
كيف مرغت وجهك الحر في الذل
وأسلست للطغاة العنانا؟
وتغنيت “للأمين” فأصغى
وتراخى في غيَّه وتوانى
وتخيرت “للرشيد” بحوراً
قلدت جيده الغليظ جمانا
وهززت “الخصيب” فاهتز جن
باه وذوبت مقلتيك فلانا
وتباكيت بين كفيه كالطفل
فيا للشموخ كيف استكانا؟!
* * *
كيف ألقاك يا أخا الكأس في
المدح ذليلاً ومطرقاً خجلانا؟
تسأل الصمت كيف حلت قوا
فيك من الذل والنفاق مكانا؟
أفترضى للفن أخزى مكانٍ؟
إن للفن حرمةً وصيانا
وألاقيك في ترنمك الخمري
ربيعاً مرنماً… جذلانا
تعزف العطر والفتون المندى
وتهز الشباب والعنفوانا
* * *
لا تقل لي: كيف التقينا؟ وقل لي:
بارك الفن والخيال لقانا!
شاعر الكأس قرَّب الطيف عهدينا
فكيف اتفاقنا؟ كيف كانا؟
بعد العهد بيننا فادَّكرنا
واختصرنا بالذكريات الزمانا
واعتنقنا على النوى والتقينا
نتشاكى من الأسى ما عنانا
أنا أشقى كما شقيت ولكن:
لا تتمتم… وأينا أشقانا؟
لا تسلني: فمحنتي أن لي في الـ
يأس أهلاً وفي الأسى إخوانا
نحن من نحن؟ مزهران من الشوق
كلانا لحن العذاب كلانا
“شاعر الكأس والرشيد” وداعاً
وسلاماً يشذيك آناً فآنا