وحدة الشاعر
ديوان في طريق الفجر > وحدة الشاعر
10رمضان سنة 1380هـ
حلم الآتي وذكرى الغابر
مسرح الشعر ودنيا الشاعر
ذكريات الأمس تغريه كما
يفتن المهجور طيف الهاجر
والغد المأمول في أشواقه
صورةٌ من كل حسنٍ باهر
صورة كالوعد من أحلى فمٍ
كابتساماتٍ اللقاء العاطر
وكعيني طفلةٍ ترنو إلى
مقلتي طفلٍ كسول الناظر
عالم الشاعر ذكرى ومنىً
وحنينٌ كالجحيم الهادر
يقطف الأحلام والذكرى كما
يقطف العنقود كف العاصر
أي ذكر؟ أي شوقٍ عادني
فإذا قلبي جناحاً طائر
وإذا الدنيا بكفي معزفٌ
ساحرٌ في كف شادٍ ماهر
تارةً أشدو وأصغي تارةً
لروايات الزمان الساخر
فيقص الدهر من دنيا أبي
ذكراً تخجل وجه الذاكر
وأنا أحمل ذكراه… كما
يحمل المظلوم سوط الجائر
وأغني عز أجدادي الألى
فخروا بالعجز فخر القادر
ومن الأجداد؟ ما شرعتهم؟
شرعة الوحش الغبي الكاسر
ومخازيهم تراث خالدٌ
ورثوه كابراً عن كابر
كيف أنسى الأمس واليوم ابنه
والغد الآتي وليد الحاضر
وأنا ابن الشعر قلبي عالمٌ
من حنينٍ وحنانٍ غامر
ترتمي الأدهار حولي مثلما
يرتمي موج العباب المائر
والدنا في عزلتي هائمةٌ
كهوى “ليلى” وطيف “العامري”
وحدتي صمت يغني ورؤى من
عصا “موسى” وعجل “آلسامري”
من شذوذ الطفل من زهو الفتى
من أسى الشيخ الفقير العاثر
من خيالات الشياطين ومن
حكمة الرسل ودجل الساحر
من ضراعات المساكين ومن
خيلاء المستبد القاهر
من هوى التاجر في الربح ومن
شبح الإفلاس حول التاجر
من شكاوى عاشقٍ يمشي على
قلبه نحو حبيبٍ… نافر
وحدتي وحيٌ ودنيا من هدىً
وضلالٍ ويقينٍ حائر
وحنان وانتظارٍ خائفٍ
ورجاءٍ كابتسام الغادر
وهوىً يضحك للطيف كما
يضحك الروض لعين الزائر
وحدتي أرجوحةٌ من فكرٍ
دائراتٍ كالشروق الدائر
وبنات الفن حولي زمرٌ
كرياحين الربيع الزاهر
وأنا كالرغب المحروم في
موكب الغيد المثير السافر
أشتهي تلك فتدنو أختها
من يدي كالأبي الصاغر
حلوة تدنو وتخفى حلوةٌ
كالسنى خلف الظلام العاكر
هذه تعطي ولا أسألها
وأناجي تلك نجوى الخاسر
ولعوبٌ أجتدي نفحتها
وهي تأبى وتمني خاطري
وعدها يبعث ذكرى “حاتمٍ”
ووفاها صورة من “مادر”
كم تناديني فتغري لوعتي
وتولي كالحليب… الماكر
والدجى مقبرةٌ تغفو على
حلم النعش ونوح القابر
قلق الصمت كرؤيا مومسٍ
هجعت بين ذراعي فاجر
كأماني ظالمٍ يرنو إلى
مقلتيه شبحٌ من ثائر
خائفٌ يسري وفي أعطافه
صلف الطاغي وتيه الكافر
وتضيع الشهب ي موكبه
كخيالات المريض الساهر
ودخان الحقد في أهدابه
كالخطايا فوق عرضٍ عاهر
يخطر الشيطان فيه وعلى
شفتيه قهقهات الظافر
وخفوق الصمت ينبي أن في
سره ضوضاء زحفٍ طافر
والرؤى تشتق من خلف الربا
مطلع اليوم الهتوف الزاخر
وتبث الغيب شكوى توبةٍ
تتشهى بسمةً من غافر
وأنا وحدي أناغي هاتفاً
من فم الوحي الشذي الطاهر
وهدوء الكوخ يستفسرني
هل أغني للفراغ السادر؟
قلت إني شاعر، في وحدتي
ألف دنيا من طيوف الشاعر