المنتحر
ديوان في طريق الفجر > المنتحر
جمادى الآخرة سنة 1377هـ
لفظ الروح فا طمأنت ضلوعه
وأنطفا شوقه ونام ولوعه
وقع المتعب الكئيب على الموت
ف ماذا جرى وكيف وقوعه؟
جفت الكأس في يديه وأشتى
فيه وادي المنى ومات ربيعه
حار في الموت والحياة… كراع
ضاع تحت الدجى وضاع قطيعه
كلما ساءل الدجى أين يمضي
لج في الصمت واستفاض خشوعه
وأنحنى كالعجوز وأنساق كالمخمور
وامتد في السكون هزيعه
***
لا تسل ذلك الفتى: كيف صاح
الجرح فيه؟ وكيف صم سميعه
كيف أسرار قلبه أي سر
كان يطوي وأي سر يذيعه؟
هم بالموت والظنون تواري
حوله الخوف تارة وتشيعه
وتلكا فدار في ذهنه “سقراط”
هذا اسمه وهذا لموعه
ذلك الفيلسوف لم يدر هل أحسن
صنعاً أم كيف ساء صنيعه؟!
جرعه الكأس أنهت العمر فيه
فانتهى أصل شره وفروعه
وتلكا الفتى وحار أيشري
من يد الموت عمره أم يبيعه
أو مات كفه إلى خنجر الموت
وأوما إلى الحياة نزوعه
***
ليس يدري أي الأمرين أحلى
سعيه نحو حتفه أم رجوعه؟
طاوع الخنجر الأصم يديه
حين كادت يمينه لا تطيعه
وتوارى في صدره خنجر الموت
فضج الحشا وفارت صدوعه
والتوى حوله الردى كالأفاعي
وتلوى كالأفعوان صريعة
وتراخت على الفراش يداه
ثم أغفى وفي يديه جيعه
***
متعب طال عمره وشقاه
وتمادت جراحه ودموعه
طالما شب من دماه شموعاً
للهوى فأنطفى الهوى وشموعه
حين لم يستطع بلوغ مناه
مات: والموت كل ما يستطيعه
وانطوى عمره الطويل فألقى
قيده وانتهى شقاه وجوعه
وانزوى حيث لا يحس صديقاً
يجتبيه ولا عدواً يروعه
***
نزل المضجع الأخير فلانت
قسوة الترب واستراح ضجيعه
اسكت القبر فيه كل ضجيج
واحتواه سكونه وهجوعه
إنما القبر مضجع يستوي
العالم فيه رفيعه ووضيعه
نافقت بيننا الحياة فهذا
حل كوخاً وذاك طالت ربوعه
يا لظلم الحياة ما أعدل القبر
تساوى فيه الوجود جميعه!
***
لا تلم ذلك الفتى حين أردى
نفسه فالشقا الطويل شفيعه
وانتحار المضيم أخصر للضيم
وأجدى من أن يطول خضوعه
مزق العمر حين ضيعه العمر
وحمق حفظ الفتى ما يضيعه
كم شوت روحه الضلوع ويوماً
لفظ الروح فاطمأنت ضلوعه
** ** **