بعد الضياع
ديوان في طريق الفجر > بعد الضياع
عام 1379هـ
إلى من أسير؟ أهاض المسير
قواي وأدمى جناحي الكسير
وكيف المسير ودربي طويلٌ
طويل وجهدي قصيرٌ قصير؟!
فكنت كفرخ أضاع الجناح
وتدعوه أشواقه أن يطير
ولي أمنياتٌ كزهر القبور
يموت ويرعشه الزمهرير
أجر خطاي فأخشى العثار
وتجتاحني رغبه كالسعير
فحيناً أهب كطفل لعوبٍ
وحيناً أدب كشيخ حسير
وآونةً أرتمي في الجراح
كما يرتمي في القيود الأسير
وتدفعني وحشة الذكريات
وتثني خطاي طيوف المصير
* * *
أمامي غيوب وسرٌ رهيبٌ
وخلفي عذابٌ وماضٍ مرير
إلى أين أمضي وهل أنثني؟
أمامي خطيرٌ وخلفي خطير
هنا هزني من وراء المنى
نداءٌ كضحك الصبي الغرير
كخفق الأماني كنجوى غديرٍ
شذي الصدى زنبقي الخرير
فجئت إليك كمن يلتجي
إلى واحة من جحيم الهجير
ورف عليَّ هواك الحنون
رفيق الربيع الشذي الخضير
فلا تسألي من هداني إلي؟
هداني إليك صباك النضير
أتخفين عني وحولي شذاك
يوشي الدروب ويغشى الأثير
فأقبلت في الطيب أمشي إليك
على ألف أغنية من عبير
ولما التقينا احتضنا الهوى
كما يحضن الفجر صدر الغدير
وغناك حبي فلاقى لديك
صدىً ناعماً مترفاً كالحرير
وناديت فيك هوىً أولاً
وناديت في الحبيب الأخير
* * *
وسرنا جميعاً يداً في يدٍ
نغني كثيراً ونبكي كثير
وطاب لنا منزلٌ واحدٌ
صغير كعش الهزار الصغير
ولم تسأليني: أعندي سرير؟
لأن المحبة أحنى سرير
وهل لي سريرٌ أنا شاعرٌ
شعوري غنيٌ وجيبي فقير
وحسبي أنا من عطايا الوجود
شعورٌ غني وفكرٌ منير
إذا كان همي شرابٌ وقوتٌ
فما الفرق بيني وبين الحمير
خلقت حنوناً لكل الأنام
بأرجاء قلبي قرار قرير
أعزي الفقير وأرثي الغبي
على عجزه وأهني القدير
أعزي الجميع وأهوى الجميع
ومحتقر الناس أدنى حقير
وأستلهم الدمع والأغنيات
ونوح النعي وصوت البشير
أنا شاعر يا”ابنة العم” لي
من الحب نبعٌ شهيٌ غزير
وشعر رقيق كحلم الصباح
على مقل الياسمين المطير
فحسبي وحسبك ديوان شعرٍ
وبيتٌ صغيرٌ وحبٌ كبير
وكأسٌ من الشوق والذكريات
وأغنية من شذاك المثير
إذا قرت النفس لذ المقام
وساوى التراب الفراش الوثير
فقد يتعس الجدب كوخ المقل
وتشقي الرفاهة قصر الأمير
يضيق الفقير ويشقى الغني
فلا ذاك بدعٌ ولا ذا نكير
فذا يشتهي لم يجد بلغةً
وهذا يعاف الغذاء الوفير
ويخفي وراء الطلاء الأنيق
صدوع الحنايا وخزي الضمير
فومض السعادة من حوله
كومض الأشعة حول الضرير
فكم مترفٍ مبتلى بالألوف
وكم كادحٍ هانىءٍ باليسير
# # # #
لنا يا “ابنة العم” من حبنا
حنانٌ يغني وعيش غضير
وفن يضم هوانا… كما
يضم السميرة أشهى سمير
ويحتضن الحب والأمنيات
كما تحضن الكأس كف المدير
إليك انتهت رحلتي في الضيا
ع فأنسيتني هولها المستطير
فلقياك كالظل بعد الهجير
وكالنصر بعد الجهاد العسير